واحة التفكير

الصناعة اليابانية ورباعية التغيير

الثلاثاء 4 رمضان 1435 هـ الموافق 1 يوليو 2014 م

.. ومنهم نستفيد ،،

الصناعة اليابانية ورباعية التغيير

 

 

ذكر د.حسين عيادة – المدرب والمشرف العام على الملتقى الدولي للتفكير والإبداع ومؤسِّسُه – في سلسلة حلقات ’هل فكرت..؟‘ الرمضانية ما أسماه "رباعية التغيير"، وهي مراحل لصناعة التغيير لا يكتمل التغيير لمريده ولا يتحقق له إلا باكتمال عِقدِها ..

هذه الرباعية كما ذكرها د.عيادة هي :

1.   الإدراك ،،

2.   الهدف ،،

3.   خطة التغيير ،،

 

4.   العزيمة والإرادة والاستمرار ..

 

 

بعد سماع الحلقة ، تأملتُ في عدد من قصص الناجحين ، فوجدتها قد استوفت هذه الشروط ، ووجدت عناصر رباعية التغيير قد تحققت فيها بوضوح ...

وأسوق لكم نموذجاً استوقفتني تفاصيله المشوّقة والمحفزة ، والدافعة إلى إعادة النظر في أحوالنا مع صناعة التغيير في حياتنا ...

 

إنها قصة الصناعة في اليابان .... والتي ربما بات يعرفها العديد منا ..

ولكن دعونا نتناولها اليوم من منظور أكثر دقةً وتخصصاً ، من خلال ربط أحداثها بعناصر ومراحل صناعة التغيير، فنتعرف لأي مدى كان للالتزام برباعية التغيير دور في نجاح هذه القصة ..

 

بدأت القصة حين أدركت حكومة اليابان ضرورة التغيير لتدخل عالم الصناعة .. فابتعثت ’تاكيو أوساهيرا‘ إلى ألمانيا ليتعلم أصول الميكانيكا العلمية ..

 

في الفقرة القصيرة السابقة ذكرنا ثلاثاً من مراحل التغيير: إدراك ضرورة تغيير الواقع، وضوح الهدف المتمثل في إدخال الصناعة إلى البلاد لتكون محلية بالكامل، وخطة التغيير والتي كانت بابتعاث هذا الشاب إلى دولة صناعية ليدرس فيها ما يخدم تحقيق الهدف مباشرة .

 

لم تنته القصة هنا، بل كان للشاب المبتعث ’تاكيو أوساهيرا‘ قصة جديدة مثيرة وذكية مع صناعة التغيير ...

 

أراد منه أساتذته في الجامعة الألمانية اتباع الطريقة التقليدية من دراسة أكاديمية والحصول على درجة الدكتوراة .. وجد أوساهيرا نفسه غارقاً في قراءة الكتب وبعيداً كل البعد عن المعامل والمصانع ومراكز التدريب العملي .. فقرأ الكتب وعرف نظريات الميكانيكا، لكنه كما يقول عن نفسه : "ظللتُ أقف أمام المحرك – أياً كانت قوته – وكأني أمام لغز لا يُحَلّ !"..

 

* وجد نفسه بعيداً عن مسار تحقيق الهدف *

 

إلى أن قرأ عن معرض لمحركات إيطالية الصنع؛ وكان ذلك في أول الشهر وكان يحمل راتبه معه؛ فوجد في المعرض محركاً يعادل ثمنه راتبه بالكامل.... فاشتراه، وحمله إلى مسكنه، ورفع عنه الغطاء الذي يغطي أجزاءه الداخلية، ثم رسم المحرك كما ظهر له بغاية الدقة، وبعدها أخذ يفككه قطعة قطعة .. وكلما فك قطعة رسمها بدقة متناهية وأعطاها رقماً ... وهكذا حتى أكمل تفكيك المحرك وأمكنه إعادة تركيبه مجدداً وهو يقول في نفسه : لو تمكنت من إعادة تركيب وتشغيل هذا المحرك كما كان تماماً أكون قد خطوت خطوة نحو معرفة سر الوحدة الأساسية في الصناعة الأوروبية ..

 

وبالفعل حين أعاد تاكيو تركيب المحرك وشغّله اشتغل ... وكان قد أمضى في عمله هذا الذي قرره لنفسه ثلاثة أيام لا يتناول فيها إلا وجبة طعام واحدة ولا ينام إلا القدر الذي يعينه على متابعة عمله ..

 

حينها طار بالبشرى إلى رئيس البعثة الذي اختبره بإعطائه ماكينة معطلة وطلب منه اكتشاف موضع الخلل .. فتمكن تاكيو من فكها واكتشاف القطع التالفة وصناعة بديل عنها بنفسه بأدوات بسيطة، ثم أعاد تركيب الماكينة فدارت بنجاح ..

 

بعدها طلب منه رئيس البعثة صنع أجزاء الماكينة بنفسه وتركيبها .. ما أصعب هذا الطلب ! ولكن أليس هو الهدف من هذه البعثة ؟ أليس هو غايته رغم صعوبته ومشقة تحقيقه ؟؟

لأجل تحقيق هذا الهدف، التحق تاكيو أوساهيرا بمصانع صهر الحديد والنحاس والألمنيوم .. ووقف ببذلة العمال الزرقاء (صاغراً_ على حد تعبيره) إلى جانب عامل صهر المعادن، يتعلم منه، ويطيع أوامره، ويخدمه ساعة أكله .. وكأنه سيد عظيم ...

وامتدت هذه المرحلة ثماني سنوات، كان يتدرب فيها تاكيو ما بين عشرة إلى خمسة عشر ساعة يومياً ... وفي الليل يراجع كل ما تعلمه في المعامل والمصانع ..

 

بعدها عاد إلى بلاده اليابان .. وطلب الإمبراطور لقاءه لكنه أجاب بأنه لن يستحق هذه المقابلة إلا بعد أن ينشئ مصنع محركات كاملاً ..

 

وبعد تسع سنوات حمل مع مساعده عشرة محركات محلية الصنع بالكامل .. وأخذاها إلى قصر الإمبراطور، وقاما بتشغيلها ... ودخل الإمبراطور وتبسم وقال مقولته الشهيرة :

"هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي .. صوت محركات يابانية خالصة ".

 

 

والآن .... هل لاحظتم ’رباعية التغيير‘ التي اتبعها تاكيو أوساهيرا ؟؟

لقد أدرك ضرورة تغيير النظام النمطي الأكاديمي الذي فرضه عليه أساتذة الجامعة؛ فالهدف كان واضحاً في ذهنه وهو أن لكل صناعة وحدة أساسية لو عرفت كيف تصنعها لوضعت يدك على سر هذه الصناعة كلها .. وبناءً عليه غيّر خطته في الوصول نحو الهدف ووضع لنفسه خطة جديدة أكثر عملية ومهنية وملاءمة لمراده .. وفي أثناء ذلك كله كان يتحلى بعزيمة واضحة وإرادة قوية لبلوغ الهدف ، وعلى طول الطريق كان مثابراً مجتهداً حريصاً كل الحرص على بلوغ الهدف بنجاح تام .

 

 

إنها رباعية التغيير :

إدراك ؛ هدف ؛ خطة ؛ عزيمة وإرادة واستمرارية.

حققوها في حياتكم .. فالنجاح متاح .. لمن أراد وصمم وأعدّ العدة .

 

 

دمتم ناجحين متألقين‘