واحة التفكير
نبضات‘ إلى‘ قلوب‘ الأمهات‘
نبضات إلى قلوب الأمهات
الأبناء والبنات هم ثمرة جسدك أولاً ... وخلاصة روحك ثانياً ........
هم مزرعتك الثمينة .. وثمارها لك وحدك إن عاجلا أو آجلا ..
أنتِ أول من سيتذوق حلاوة تلك الثمار أو سيعاني مرارتها ..
أنتِ أول من سيبهجه النظر إلى تلك البراعم الندية العطرة ...
أو ستسوؤه أشواك تلك الأغصان الجارحة ...
وبعد ذلك ستنتشر ثمارك وبذورها وشتلاتها في سائر الأرض وبين أفرادها ..
فاختاري وتخيري لنفسك أي الثمار وأي النفوس وأي الأفكار تودين أن توصمين بها وأن تُسألي عنها إن تركتِها إرثاً بشرياً لكِ بين العالمين وفي عالم الأرض وعالم السماء ...
والحقيقة الواضحة للعيان تبين أن العنف والشدة والمحاسبة الدائمة وعدم التغاضي عن الأخطاء البسيطة لا تجلب إلا الندم والخسارة ....
ويقابلها على الضفة الأخرى التساهل والتهاون وترك الحبل على الغارب ومنح الأبناء والبنات الثقة المطلقة ..
إن الاهتمام الزائد والإهمال الفادح هما وجهان لعملة واحدة حتى وإن اختلفت المسميات، ويؤديان إلى نتيجة واحدة ألا وهي الفشل والانحراف والخسارة الفادحة .
وعندما تكونين أماً صعبة الإرضاء تتصيدين هفوات الأبناء والبنات من أحاديثهم ومزحاتهم وفلتات ألسنتهم، وتبدئين مباشرة بمحاسبتهم على الصغيرة قبل الكبيرة دون حكمة أو تأنٍ أو صبر ..
فصدقيني ، ومن واقع خبرة ، سيصمتون صمتاً أبدياً قاتلاً أمامك ومن خلفك، ولن تعرفي ما يدور في أذهانهم أو حتى ما يحدث لهم على أرض الواقع بعيداً عنك، مهما كان تافهاً وبسيطاً أو عظيماً ورهيباً ..
احرصي أشد الحرص أن تكوني صديقة رائعة لطفلك منذ السنوات الأولى في العمر قبل أن تكوني أماً مسئولة ..
هناك استبيان قمت بتوزيعه على عدد كبير من الطالبات، كان مجرد سؤال واحد : ( هل تحبين أمك ؟ ولماذا ؟ )
تخيلوا ما وجدته ! لقد وجدت هناك نسبة ليست بالقليلة من بنات المرحلة الثانوية وما دون، لا يحببن أمهاتهن، ولأسباب لا تخطر على بال معظم الأمهات !!!!
وهناك استبيان آخر وضع لمجموعة طلاب وطالبات بأعمار مختلفة وهو : ( من هو أول شخص تلجأ له لو حدث لك مصيبة ؟ لا قدر الله )
وقد كانت الإجابات مهولة ومحزنة ! لم يحتل الوالدين أو أحدهما إلا المرتبة الرابعة فما فوق !!
وكانت الإجابات التي احتلت أعلى نسبة :
1) الأصدقاء 2) أحد الأقرباء 3) الأخوة أو الأخوات 4) الأم 5) الأب !!
عندما تحتل الأم المرتبة الرابعة في حياة ابنها أو ابنتها المراهقة أو الصغيرة فهذا يعني أن هناك خلل وفجوة ليست بالهـيّنة !!!
وهنا يأتي السؤال الحاسم :
كيف حدثت هذه الفجوة ؟ ومتى بدأت ؟ وكيف اتسعت حتى أصبح الأصدقاء أقرب إلى فلذات أكبادنا منا وأصبح الصديق هو أفضل من يخبروه بأوجاعهم وبهمومهم وكذلك بمخاوفهم ؟؟
تأتي الإجابة والتي لا يختلف عليها اثنان : أن الصديق يتقبلك بما أنت عليه، وبكل مزاياك الحالية وقدراتك التي تعيش بها، وحتى بعيوبك .. وقد يكون بك عشرات الميزات فتعجبه ميزة واحدة منها أو هو يجد مثلها في نفسه فيصادقك ويصاحبك من أجلها، وكذلك لأن الصديق لا يكثر اللوم ولا العتاب وحتى قد لا ينصحك إن أخطأت بل يعتبر أخطاءك سراً من أسرار الصداقة .. لذلك احتل الصديق أعلى المراتب في محبتهم ومنحهم الثقة .
والأم تزرع القلق والنكد والكآبة والكذب في نفس طفلها منذ نعومة أظافره، دون أن تدري، بطرق عدة منها مثلاً لا حصراً :
عندما يقع ابنك، سواء كانت وقعته بسيطة أو عنيفة، فإن أول ما ينظر الطفل لوجه أمه وملامحها، فان جاءت تصرخ وتولول واعتلى وجهها إمارات الهلع فإنه يخاف ويبكي ويدرك بأن مصابه جلل، وإن أقبلت إليه بهدوئها وسكينتها واحتضنته ونظرت لإصابته بحرص ووجهته، فإنه سيهدأ وسيخفف من حدة ردة فعله حتى وإن كان مصابا وإصابته تؤلمه ... وبذلك ومن وجهها وملامحه ومن كلماتها ومن لمساتها له سيتعلم الهدوء، وسيجد لدى أمه الحكمة والصبر والحنان، وستوفر له الأمان، ولذلك سيلجأ إليها في جميع مواقف حياته ،،
و بعض الأبناء يخبر أمه بواقعة خطيرة أو بفعل مشين في قواميس الدين أو الأعراف، ومن شدة خوف الأم على ابنها أو ابنتها تبدأ بالصراخ وإلقاء الأوامر وسيل النصائح العارم الذي يقع على رأسه وهو من وجهة نظره القاصرة يرى أن هذا الفعل عادي وكثير ممن هم في سنه يقومون بذلك، فيعجب في أعماقه من ردة فعل الأم وبالتالي يقرر مباشرة استبعادها من أحاديثه ويومياته وأسراره، خاصة عندما تقول الأمهات جملتهن الشهيرة : "ابتعد /أو/ ابتعدي عن فلان /أو/ فلانة".
وبعض الأمهات عندما تخبرها ابنتها أو ابنها بفعلة مشينة هو فعلها ويطلب من والدته أن تبقيها سراً بينهما، يفاجأ أنه عند أي عناد أو تمرد منه على أمه إذا بها تعيره بتلك الحادثة أو بذلك الموقف الذي ظن أنه بقي سراً أو أنه انتهى ! ويصدم أن من اتخذها صديقاً له هي من قامت بإفشاء أسراره أو معايرته بها أمام الآخرين حتى وإن كانوا إخوته ....
فيا عزيزتي الأم ،،
كوني صديقة وفية ، ومستمعة منصتة، وحبيبة حنونة لبناتك وأبنائك، ولا تكوني جلاداً متسلطاً وحاكماً جباراً عليهم، فأنتِ بأمر من خالق السماء على لسان أحب البشر وأفضلهم حكم لكِ بحسن صحبتهم عندما جاء رجل فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك .
فلا تتركي أهم صحبة لكِ في هذه الدنيا الفانية للغرباء يتلاعبون بعقولهم ومشاعرهم كيفما شاءوا ..
أحبيهم بكل ما في قلبك من حب، تقبليهم بكل ما يحملون من عيوب برحابة صدر تتسع للسماء والأرض، أظليهم برعايتك كظل الشجرة الوارفة، ولا تستعجلي ثمارهم ويذهب صبرك سدى ..
لا تكسري قلوبهم بكلمات جارحة، ولا تلغي شخوصهم تحت شخصك الكريم، ولا تورثيهم لغيرك وأنتِ محسوبة عليهم أم، لأنهم وبكل بساطة هم من أخبرك عنهم ربي وربك وأسماهم (ذريتك) .. اجعليهم هدفك الأسمى حتى وإن كانوا ليسوا أبناءك إنما وليتِ أمرهم لأن الله سيرسل عليك من يعاملك بالمثل عندما تزول قوتك ويتلاشى جمالك ويبهت بصرك ويهن عظمك ..
عامليهم بالحسنى حتى وإن كانوا أبناءك، فإنما هم ضيوف بدارك حتماً سيأتي يوم يغادرونك فيه ...
ولن يبقى لك منهم شيء ..
حتى ضحكاتهم التي ملأت الأنحاء ..
وصرخاتهم التي تعالت بالبكاء ..
ومناداتهم لك بماما في الأرجاء ..
ستتلاشى ، ولن يظل إلا الرجاء .
*~( الأخصائية ~ أ.عزة كجم )~*