واحة التفكير
عندما حَوَّلتُ حياتي لمسارها الصحيح ~ قصة في تنمية الذات
قصة في تنمية الذات‘
عندما حَوَّلتُ حياتي لمسارها الصحيح
د. أمجد الجنباز
هو شاب مجتهد طموح ، ’جـادّ‘ في سعيه ، ’مرِح‘ في أسلوبه ، لطيف في تعامله ، يقدّر الآخرين ويحترمهم ( لكن ) ليس على حساب مستقبله وسعادته ومعرفته بنفسه وبمجالات العطاء ونفع الآخرين التي وهبه إياها الله تبارك وتعالى ليخدم من خلالها مجتمعه وأمته ، ويحقق لِنفسه – في الوقت ذاته – السعادة والحيوية والمتعة في الحياة الدنيا..
د. أمجد الجنباز ، طبيب الأسنان الذي تخلى عن الطب بعد حصوله على الماجستير فيه ، ولبّى نداءً صدر من أعماقه أن "مكانك ليس هنا .. بل في فضاءٍ آخر"....
فاتجه نحو إدارة الأعمال التي اكتشف أنها عِشقُه ومتعته في الدراسة والعمل ..
ورغم حداثة دخوله في عالم الإدارة ، إلا أنه حقق العديد من الإنجازات وهو لم يتخرج بعد من دراستها الأكاديمية !
فقدّم فيها العديد من الدورات الحضورية والإلكترونية ،
وأصدر كتيباً إلكترونياً قيّماً قام بنشره مجاناً ، بعنوان ( فكرتي صارت مشروعاً ) ، حظي برواج مميز خلال فترة زمنية قصيرة جداً ..
ونشر بعده وريقات بعنوان ( تطوير نموذج العمل _ قصة بوكتشينو ) ، وأيضاً قام بنشرها بشكل مجاني في مواقع التواصل الإلكتروني ، وحظيت باهتمام القراء لما فيها من فوائد على صغر حجمها .
د. أمجد الجنباز ما يزال في أول الطريق .. لكن شغفه بمجاله وحبه لنفع الآخرين دفعاه للإبداع المبكر ...
وكانت هذه كلماته لمجلتنا " آفاق التنمية " إصدار الملتقى الدولي للتفكير والإبداع _ العدد الأول :
أنهيت دراستي الجامعية، وتخرجت كطبيب أسنان. كانت فرحتي كبيرة، فأنا الطبيب الأول في عائلتي، والمجتمع سيحبني أكثر، لأنه ينتشي برؤية حرف ’’د‘‘ أمام اسم أحدهم.
لقد كنت سعيدا في دراستي، كبيرا في أحلامي. كنت أقرأ وأسمع الكثير من الكتب في التنمية الذاتية التي تتحدث عن التخطيط ووضع الأهداف.
وضعت لنفسي خطة كبيرة، وأهدافا أكبر. خططت لافتتاح مركز طبي كبير، يحوي أفضل الأطباء، ووضعت في الخطة اسما لهذا المركز. وبعد افتتاحي لهذا المركز، قررت أن أفتتح مركزا آخر خيريا؛ يعالج الفقراء مجانا. ووضعت خطة لتشغيل هذاالمشفى المجاني بأقل تكاليف ممكنة مع أعلى حرفية ممكنة. وبسبب تفوقي، قررت المتابعة في دراسة الماجستير...
في السنة الثانية من الماجستير (مدة الماجستير في كليتي هي ٤ سنوات)، بدأ الجميع يلاحظ التغير الذي أصابني. فأصبحت مهملا في دوامي، أتأخر في الحضور للكلية، وأبكر في الانصراف، مصاب بالكآبة طوال الوقت وأقضي جل وقتي وحيدا في غرفتي. لا عجب في ذلك، لأنني في ذلك الوقت، اكتشفت بأني أكره طب الأسنان !!
الأسوأ من ذلك هو شعوري وأنا أتخيل نفسي أعمل في تلك المهنة المملة طوال ماتبقى من حياتي ..
كيف سأستيقظ باكرا وعلى وجهي آثار الكآبة ؟؟
كيف سأذهب للدوام لأعيش تجربة العذاب على مدار ٨ ساعات يومية على الأقل ؟؟
أي حياة تعيسة تلك التي تنتظرني !!
بدأت بالتفكير مليا ومليا، أريد حلا. أريد خطة بديلة، خطة للهروب من الوهم الذي أعيشه، ومن الفخ الذي سأسقط فيه عاجلا أم آجلا.
أنهيت السنة الثانية من الماجستير، ثم توقفت عن الدراسة تماما لمدة ٦ أشهر، وكان هدفي في هذه الأشهر، هو أن أجد الخطة، وأحصل على الحل البديل.
بدأت التفكير من الصفر، لِمَ لا أترك الكلية، وأذهب لدراسة هندسة الكهرباء؟ وهنا بدأت أتذكر أهلي ومجتمعي، فهم حتما لن يرضوا أن أتأخر ٥ سنوات أخرى دون عمل، دون زواج. لن يرضوا أن ترمي ٧ سنوات من عمرك وما فيها من أقساط جامعية وتكاليف، فقط لكي تتابع وهمك – من وجهة نظرهم -.
كلما أخبرت أحدا من المقربين لي أو من أهلي عن خطتي في ترك الأسنان، كانت تنهال علي الشتائم : هل أنت غبي لتترك تخصصك!! وهل تعتقد أنك ستسعد في أي تخصص آخر!! وأساسا من منا يحب عمله!! كف عن تفاهتك، واركب معنا في طابورالموظفين التعساء.
قررت ألا أسمع لمن حولي أبدا، حتى لأقرب المقربين لي. بدأت بارتياد المكتبة لقراءة كتب في التخصصات المختلفة. قررت أن أبدأ بالتخصص الذي كنت أحبه لكني لا أفهم فيه : (الإدارة). بدأت بالذهاب للمكتبة العامة، لأقرأ كتبا في الإدارة. كنت في كل يوم أختار كتابا من تخصص مختلف في الإدارة. كنت أعيش لحظات جميلة داخل تلك الكتب. كان دماغي يتحرك ويتشنج وينتشي بين سطور ذلك العلم. لم أشعر بتلك النشوة في طب الأسنان قط!.. بل إن آخر مرة شعرت فيها بذلك الشعور كانت في الثانوية بين أرقام الرياضيات.
لم أعد أكترث بمركز الأسنان الضخم، ولا بخطط كبيرة واهمة. كل ما كنت أحاوله، هو وضع خطة لأهرب من تخصص الأسنان، إلى تخصص أحبه، وأعيش حياة سعيدة فيه. لكن كل من حولي رفضوا دعمي ومساعدتي، فخطتي في نظرهم، هي مجرد فكرة مجنونة أخرى.
وهنا بدأت بكتابة خطتي...
كان ملخص الخطة: احصل على الماجستير في الأسنان، ثم اعمل براتب عال فيها، وضَعْ جزءا من راتبك في دراسة الإدارة.
حصلت على الماجستير، ثم عملت كمندوب مبيعات في شركة طبية، ثم عملت في تدريس الأسنان. وفي هذه الأثناء كنت أعمل نهارا، وأقتطع جزءا كبيرا من راتبي، وأدفعه للجامعة التي أقوم بدراسة الإدارة فيها.
كانت أياما عصيبة، ترى فيها أنك وحيد، لا يقف معك إلا القلة القليلة التي تؤمن بك. أما الآخرين فهم يراقبونك من بعيد ينتظرون فشلك، لتعود وتعمل في طب الأسنان. ليس لأنهم يكرهونك، بل لأنهم يحبونك ويرون أن سعادتك في طب الأسنان، بنظرة محدودة مبنية على تفكيرهم هم. فهم يرون الحياة بطريقة ما، ويريدون للجميع أن يفكر ويعمل بنفس تلك الطريقة!!
في النهاية، لن أقول بأني أصبحت مديرا لأكبر شركات العالم، أو أصبحت مليونيرا بطريقة تفكيري هذه، كما يحدث في الأفلام ودورات النجاح الوهمية. لكني سأقول بأنني اقتربت من التخرج من كلية الإدارة، وسأبدأ العمل خارج تخصص طب الأسنان في المكان الذي أحبه تماما.
خلال رحلتي كنت أحاول التطوع في الإدارة وفي التدريب فيها، وقد وجدت أن ذلك ممتعا جدا، فكيف إن كانت وظيفتي الأساسية هي في ذلك المجال الذي أحبه ؟!
الاستماع للآخرين مهم جدا، لكن عندما تكون خطتك مجنونة لدرجة أنها تتنافى مع تفكير المجتمع، فعندها أغلق أذنيك، وامض في خطتك، واجمع حولك القلة التي تؤمن بقدراتك، فهم من سيساعدونك حقا.
أمجد الجنباز
لتحميل كامل المجلة تفضل هنا