واحة التفكير
كيف صرفَته عن إدمان "الانترنت" ؟
كيف صرفته عن إدمان "الانترنت" ؟ أ. عابدة المؤيد العظم
أعرف شاباً تعلق بالأجهزة الحديثة شأنه شأن كل ناشئ، وعجز أهله عن إقناعه بالتخفيف منها، فلما استيأست أمه من استجابته، خلصت إلى فكرة بسيطة جداً وسهلة، فسألته: "هل تخرج معي لممارسة رياضة المشي؟"، فتعلل بالدراسة، فتابعت: "الطبيب فرض علي المشي خوفاً من هشاشة العظام"، أي أثارت فيه عاطفة الحب والشفقة، وقالت: "وإني أخاف إن مشيت وحدي أن يتعرض لي أحدهم بسوء، وجودك معي قوة لي"، فحركت فيه عاطفة النخوة، فخرج الصبي معها مستعجل العودة. وتجاهلت أمه مشاعره وقررت أن تمضي بحملتها الجادة لصرفه لمناح أخرى.
خرجا، وصارت تستغل كل ما يعترضهما في الطريق (حتى الحيوانات والمناظر المؤذية) لتعلمه كيف يتذوق جمال الطبيعة من جهة وكيف يحافظ عليها من جهة أخرى، وكيف يتفكر في خلق السموات والأرض... وتقص عليه -كل يوم- القصص والذكريات الجميلة التي تناسب عقله وسنه، فاسترخى الغلام وصار يسعد بصحبتها ويتفاعل معها (لأنها أشبعت فيه "الحاجة للاهتمام")، ثم صارت تسأله عن أموره وإنجازاته، وتثني عليه وتحلل شخصيته وتبرز مزاياه (فأشبعت فيه الحاجة "للتقدير")، فصار الفتى يشاركها في أفكاره ويسألها عن بعض المعلومات، فتجيبه عن بعضها وتحيله فيما تجهله إلى المراجعة على غوغل، وتطلب منه مساعدتها في البحث عن الأجوبة وإخبارها بالنتائج (لأنها أكثر انشغالا منه ولا تجد الوقت)..
وبعد مرور أيام قليلة توثقت علاقتهما، وبدأ الصبي يتعود على المشي اليومي و"العادة تبدأ بمرة"، وبدأ يشعر بالنشاط واللياقة ويبتعد عن الغذاء الضار (فالمشي ليس فقط للنحافة)، وبدأ يغير سلوكه وخلقه (وهو ينفرد بأمه ساعة كل يوم ويستخلصها لنفسه، ويتعلم منها)، وصرفته عن النت (فترة خروجه)، وفوقها الوقت الذي يحتاجه للاغتسال والاستعداد. وصار يستعمل النت للفائدة ومراجعة المسائل (فلم يعد للتواصل واللعب، ومضيعة للوقت).
وهكذا "فكرة المشي" البسيطة التي قامت على إثارة العواطف المتنوعة "النخوة" و"الشفقة"... ساعدت الأم في الحصول على عدة نتائج رائعة: "صداقة"، "تَفكّر"، "بحث وتَعلُّم" ،"تخفيف من إدمان النت"...
وكم هناك من الأفكار المماثلة، البسيطة البناءة، فاستعملوها للإصلاح ودلوا عليها.
عابدة المؤيد العظم