واحة التفكير

المـوضـــوعيـة ‘,~ اللامـوضـــوعيـة ْ,‘

الأحد 17 جمادى الأول 1436 هـ الموافق 8 مارس 2015 م

الموضوعية_اللاموضوعية
محمد الشكر *

 

 

 

الموضوعية أو الإنصاف .. هي أن تكون الأحكام والمواقف مبنية على الحقائق والوقائع الحاصلة بذاتها .. والانعتاق من أي تأثير لانتماء ديني أو قومي أو عاطفي أو تأثير المصالح أو رغبة مسبقة في تغليب أحد الأطراف أو أو …

 

الموضوعية والإنصاف وجهان لعملة واحدة .. وهو أمر أمرنا به رب العزة من فوق سبع سماوات : 

 

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّـهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ"

"وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ"

 

العدل والإنصاف والحكم بالحق أمر إلهي وواجب شرعي .


 

قيمة العدل والإنصاف من أكثر القيم المفقودة في مجتمعاتنا التي يقوم أفرادها في الغالب بإطلاق أحكام متحيزة.

اللاموضوعية (أي التحيز) تتخذ شكلين وليس شكلا واحدا .. يجمعهما الحياد عن الحق والتطرف إلى طرف من الأطراف.

ما يميز التحيز هو : الأحكام التعميمية .. والكيل بمكيالين :


 

الشكل الأول للتحيز أو اللاموضوعية شائع جدا وظاهر لا يخفى .. أما الشكل الثاني فهو أقل شيوعاً وعادة يكون متخفياً بقناع الموضوعية، وهو ليس أقل سوءاًَ من الشكل الأول.

 


 

(ملاحظة: سأستخدم كلمة "نصرة" للإشارة إلى النصرة في الأحكام .. بمعنى الميل لإطلاق أحكام في صالح طرف معين .. أي الرغبة في نصرة هذا الطرف أو مدحه أو تمجيده أو نفي سلبياته .. إلخ، وليس المقصود فيها بالضرورة النصرة في القتال).

 

 

 
 

الشكل الأول من اللاموضوعية :

أن يتطرف المرء لطرفه (دينه/قوميته/بلده/أسرته/جنسه/ إلخ…) فيكون لديه ميل دائم لنصرة طرفه ومهاجمة الطرف الآخر .. فيتصيد مساوئ الطرف الآخر ومحاسن طرفه .. ويقبل النقد للطرف الآخر ولا يقبل أن ينتقد أحد طرفه .. وهكذا ..

 

هذا النوع شائع جداً ولعل أغلب الناس يعانون منه بدرجة ما..

 

 

أمثلة :

 

- تعصب الغربي ضد الإسلام

- تعصب اليهودي ضد باقي الاديان

- تعصب الرجال للذكورية (نظرة دونية للنساء - إنكار أخطاء الرجال - إنكار محاسن النساء)

- وما تقابله بعض النساء بالتعصب ضد الرجال (نظرة كراهية للرجال - إنكار محاسن الرجال - إنكار أخطاء النساء)

- تعصب القوميات ضد بعضها

 


 

الشكل الثاني من اللاموضوعية (وهم الموضوعية) :

أن يتطرف المرء للطرف الآخر (دين آخر/ قومية أخرى/ بلد/ أسرة/ الجنس الآخر/ إلخ …) فيكون لديه ميل دائم لنصرة الطرف الآخر ومهاجمة طرفه !

فالبعض يحاول جاهدا انتقاد دينه أو بلده وإثبات الخطأ عليه، وتبرئة الطرف الآخر وإظهاره بصورة حسنة والمنافحة عنه.

 

لماذا يتطرف المرء ضد طرفه ؟؟؟ لأنه يعتقد بذلك أنه بلغ قمة الموضوعية...

 


 

أمثلة:

- بعض المسلمين لا يذكرون عن المسلمين إلا السلبيات ولا يذكرون عن الغرب إلا الإيجابيات إلى درجة إنكار ما لدى المسلمين من إيجابيات وما لدى الطرف الآخر من سلبيات .. معتقدين بذلك أنهم موضوعيون.

- بعض العرب يشتمون العروبة ولا ينزعجون من شتم الآخرين للعروبة أيضا، بينما يرفضون أن يشتم أحد قومية أخرى ويعتبرون ذلك تعصباً (لديهم ميل لنصرة الطرف الآخر ومهاجمة طرفهم).

- بعض الرجال (في محاولة لإثبات موضوعيته) يتطرف ضد الرجال، فينفي كل ما هو حسن لدى الرجال وكل ما هو سيء لدى النساء .. أي يكون لديه ميل لنصرة الطرف الآخر.

 


 

فهؤلاء يسيرون على مبدأ (شايفين قديش أنا موضوعي؟؟؟ أنا موضوعي لدرجة أن عندي ميل لنصرة الطرف الآخر ومهاجمة طرفي !! - أنا موضوعي لدرجة أني لا أقبل أن تُظلم الأطراف الأخرى بينما لا مانع لدي مِن ظُلم طرفي). وكأن الموضوعية هي أن تهاجم طرفك قدر الإمكان.

في الحقيقة هذه لاموضوعية أيضاً، ولا تقل سوءاً عن النوع الأول … وتتميز بأن صاحبها يتوهم أنه وصل إلى قمة درجات الموضوعية (والدليل أنه مستعد أن يهاجم نفسه طوال الوقت) وربما يكون مستمتعا بمهاجمة نفسه أو طرفه ليثبت لنفسه وللآخرين أنه موضوعي ومنصف وأنه ليس متعصباً لطرفه .. لذا يمكن أن تسمى وهم الموضوعية .


 

الموضوعية والإنصاف هي أن تتحرر من تأثير الأطراف ومن كل الانتماءات عدا الحق، ألا يكون لديك ميل لنصرة أي طرف من الأطراف .. لا تتحيز لطرفك ولا للطرف الآخر .. بل يكون ميلك هو قول الحق كما هو بتجرد .. فقول الحق هدف بحد ذاته .. أن يكون انتماؤك الوحيد هو "الانتماء للحق" … أياً كان الحق فأنت تقوله وتنتمي إليه وإليه فقط .. ولا يهمك في صالح من .. طالما أنه حق.

 

الموضوعية والإنصاف واجب شرعي وأمر إلهي.

 

 

* محمد الشكر

طالب طب _ مهتم بالعلوم الطبيعية

ومهتم بأدوات التفكير وبرامجه والمغالطات المنطقية